يشهد علم الأمراض التشريحي، ذلك العلم المعني بدراسة الأنسجة المرضية والسرطانية والعينات المأخوذة من الجسم لتشخيص الأمراض، ثورة تكنولوجية كبيرة، بفضل الذكاء الاصطناعي. وما بين متحمس ومتوجس يبقى السؤال المطروح: ما تأثيرات الذكاء الاصطناعي في دراسة هذا التخصص وممارسته؟ 
يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص بنحو ملحوظ، عن طريق تحليل الصور النسيجية الرقمية بسرعة ودقة تفوقان قدرات البشر، كما يمكنه أن يرصد أنماطاً دقيقة من التغيرات النسيجية قد لا تُلاحظ بالعين المجردة، وبذلك يساعد على اكتشاف الأمراض في مراحلها الباكرة، إلى جانب أتمتة كثير من المهمات المتكررة التي يتعين على أطباء المختبرات الطبية تأديتها، مثل تحليل الصور النسيجية، وكتابة التقارير، ما يُحسّن تدفق العمل في المختبرات الطبية، وتقليل وقت انتظار المرضى. 
وتساعد النماذج المتطورة من الذكاء الاصطناعي علماء الأمراض على تحليل كميات كبيرة من البيانات الطبية، وتصميم تجارب بحثية جديدة، وتحليل نتائجها، ما يُسهم في اكتشاف أنماط جديدة، وربط الأمراض بأسبابها الجذرية، ويحسّن فهمنا للأمراض، وتطوير علاجات جديدة لها. 
وتوجَد فوائد جمَّة لدمج وسائل الذكاء الاصطناعي في تدريب الأطباء على علم الأمراض التشريحي، ويمكن الجزم بلجوء المتدربين إليها واستخدامهم إياها، ولكنْ ماذا عن المنهج الدراسي المعتمد في كثير من المستشفيات والكليات الطبية؟ هل يواكب متطلبات العصر، ويسارع إلى تبني هذه التقنيات الحديثة مع طرح ومعالجة موضوعيَّين لما قد يترتب عليها من سوء استخدام؟ إن عملية تطوير المناهج الأكاديمية والخطط الدراسية واعتمادها عموماً -بما تستغرقه من إجراءات- لا تتماشى ووتيرة التطور التكنولوجي المتسارعة. 
وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للذكاء الاصطناعي، فإنه يُواجه بعض التحديات، وعلى رأسها الحاجة إلى بيانات عالية الجودة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وينبغي عدم إغفال معالجة مخاوف الخصوصية والأخلاقيات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الطبي الحيوي. 
نعم، الذكاء الاصطناعي أداة قوية ذات إمكانات كبيرة في تحسين دراسة علم الأمراض التشريحي وممارسته، ولكن من المهم أيضاً معالجة التحديات المرتبطة به، لضمان استخدامه بطريقة مسؤولة وأخلاقية. 

*أستاذ مشارك بقسم علوم الأمراض - جامعة الإمارات العربية المتحدة